ومع بداية الكتاب :
أحبتي في الله :
قال الله عز وجل يَوْمَ لا يَنفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. الشعراء (88-89)
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم
**إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم و أموالكم و لكن ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم **.
القلب .....وماأدراك مالقلب......
القلب هو القائد الاول ، وعليه في جميع الامور المعول.
له في جسد الانسان المكان الاول ..
فهو الملك ..والجوارح عنده جنود وخدم..
وهو الآمر والناهي ...وكل الاعضاء له أتباع وحشم..
والله يريد منك قلبك..
فكم من عمل يتصور بصورة الاخرة ولا يتقبله الله لفساد ما في القلب ..
وكم من عمل يتصور بصورة الدنيا ويكون لله قربة بصحة ما في القلب من نية.
القلب ...
تلك اللطيفة هي حقيقة الانسان..
ومن عجيب أمر الله فيه انه جعل بصحته وبقائه وانتظام دورته في حياة الجسد..
وجعل سبحانه بطهارة القلب وسلامته من الآفات حياة الروح..
فالقلب هو المدرك والعالم من الانسان
والقلب هو المخاطب والمطالَب والمعاتَب ..
القلــــــــــــب ....
محل العمل ومحل التقوي..
محل الإخلاص والذكري والحب والبغض..
محل الوساوس والخطرات..
القلــــــــــــب ....
موضع الإيمان والكفر ،والإنابة والإحرار ، والطمأنينة والاضطراب..
القلــــــــــــب ....
هو العالم بالله ، المتقرب إلي الله، العامل لله ، الساعي إلي الله..
وإنما الجوارح أتباع للقلب وخدم..
القلــــــــــــب ....
هو المقبول عند الله إذا سلم من غير الله..
هو المحجوب عن الله إذا سار مستغرقا بغير الله..
القلــــــــــــب ....
هو الذي يسعد بالقرب من الله فيفلح العبد اذا زكاه..
ويخيب ويشقي إذا دنسه ودسّاه ..
القلــــــــــــب ....
هو المطيع في الحقيقة لله ..
وإنما ينتشر علي الجوارح من العبادات أنوارُهُ..
القلــــــــــــب ....
هو العاصي المتمرد علي الله ، إنما الساري علي الأعضاء من الفواحش آثارُهُ..
بإظلام القلب واستنارته تظهر محاسن الظاهر ومساوئه ، إذ كل إناء ينضح بما فيه..
وبصحة القلب وسلامته وطهارته تظهر ثمرة الأعمال ، إلا فعمل لا يصل إلي القلب لا تتم فائدته،
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ) رواه البخاري ومسلم
يقول ابن القيم رحمه الله : فلا إله إلا الله كم في النفوس من علل وأغراض وحظوظ تمنع الأعمال أن تكون خالصة لله وأن تصل إليه ، وإن العبد ليعمل العمل حيث لا يراه بشر البتة وهو غير خالص ، ويعمل العمل والعيون قد استدارت عليه نطاقا ًوهو خالص لله ، ولا يميز هذا إلا أهل البصائر وأطباء القلوب العالمون بأدوائها وعللها
فبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطّاع تمنع وصول العمل إلي القلب ، فيكون الرجل كثير العمل وما وصل منه إلي قلبه محبة ولا خوف ولا رجاء ، ولا زهد في الدنيا ولا رغبة في الآخرة ،ولا نور يفرق بين أولياء الله وأعدائه ، وبين الحق والباطل ،ولا قوة في أمره ، فلو وصل أثر الأعمال إلي قلبه لاستنار وأشرق ، ورأي الحق والباطل ، وميّز بين أولياء الله وأعدائه ،وأوجب له ذلك المزيد من الأحوال .
وبين العمل وبين القلب مسافة، وفي تلك المسافة قُطّاع تمنع وصول العمل إليه، من : كِبر ، وإعجاب ، و إدلال ، ورؤية العمل ، ونسيان المِنَّة ، وعلل خفية لو استقصي في طلبها لرأي العجب ،ومن رحمة الله عز وجل سَتْرُها علي أكثر العمال ، إذ لو رأوها وعاينوها لوقعوا فيما هو أشد منها من: اليأس ، والقنوط ، والاستحسار، وترك العمل ، وخمود العزم ، وضعف الهمة ..
فمهمة القلب الأصلية التي خلق لها كما يقول ابن القيم رحمه الله :
1- يسير إلي الله عز وجل والدار الآخرة.
2- ويكشف عن طريق الحق ونهجه.
3- ويكشف آفات النفس والعمل .
4- ويكشف قطّاع الطريق.
وذلك بخمسة :
1-بنوره 2- وحياته وقوته. 3- وصحته وعزمه.
4 – وسلامه سمعه وبصره . 5- وغيبة الشواغل والقواطع عنه.