ًٍََِِِمعـــنى الفتنــــة ـًٍِ
يكثر إطلاق لفظ (الفتنة) عند بعض الدعاة وكثير من العامة على (السكوت) – عدم إنكار المنكر – فرحت أتأمل آيات القرآن الكريم التي وردت بلفظ (الفتنة) * ثم استعرضت ما استطعت من كتب السنة لعلي أجد تفسيراً للفتنة بـ (السكوت) أصلاً ومستنداً من اللغة أو الشرع* وألخص لك أخي القارئ ما وجدته بهذا الخصوص فأقول:
تكرر لفظ الفتنة (60)مرة في (35) سورة من سور القرآن الكريم استعملت في أكثر من (20) معنى ليس فيها (السكوت)* وإليك هي:
1-بمعنى الابتلاء والامتحان: كقوله تعالى: (ألم ( 1 ) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ( 2 ) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ(3) [العنكبوت] وقوله: (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ) [الدخان: 17]
2-بمعنى الشرك: كقوله تعالى: (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ..... وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) [البقرة: 191]. وقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ) [البقرة: 193].
3-بمعنى الكفر: كقوله تعالى: (لَقَدِ ابْتَغَوُاْ الْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ) [التوبة: 48] وقوله: (وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ) [الحديد: 14].
4-بمعنى العذاب: كقوله تعالى: (فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) [العنكبوت : 10] وقوله: (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خاصة) [الأنفال : 25].
5-بمعنى: الخلاص والتخليص: وكقوله تعالى عن موسى عليه السلام: (وَقَتَلْتَ نَفْساً فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ) [طه : 40].
6-وبمعنى الإحراق: كقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج: 10].
7-وبمعنى القتل كقوله تعالى: (.... إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ) [النساء: 101] وقوله: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83].
8-وبمعنى الميل والصد عن الحق: كقوله تعالى: (وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ) [المائدة : 49] وقوله: (وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ) [الإسراء : 73].
9-وبمعنى الضلال: كقوله تعالى: (مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ) [الصافات: 162] وقوله: (وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً) [المائدة: 41].
10-وبمعنى الاعتذار والمعذرة: كقوله تعالى: (ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام: 23].
11-وبمعنى الجنون: والمفتون هو المجنون كقوله تعالى: (فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ) (القلم : 5 ) (بأيكم الْمَفْتُونُ) [القلم : 6].
12-وبمعنى الفجور أو الحب والعشق للنساء: كقوله تعالى عن المنافقين: (وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) [التوبة : 49]. نزلت لما قال الجد بن قيس ومن معه يعتذرون للرسول صلى الله عليه وسلم عن الخروج في جيش العسرة قال: يا رسول الله لقد عرف قومي أني رجل مغرم بالنساء وإني أخشى إن رأيت بنات بني الصفر (يعني الروم) ألا أصبر عنهم فلا تفتني بالخروج.
13- 14- وبمعنى المال والولد: كقوله تعالى: (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [التغابن : 15] وسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً يتعوذ من الفتن فقال: أتسأل ربك ألا يرزقك أهلاً ولا مالاً يعني هذه لأنه نفور من الفتن وهذا التفسير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمهور الصحابة.
15-بمعنى السحر: كقوله تعالى في قصة الملكين: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ) [البقرة: 102].
16- بمعنى التأويل الباطل: كقوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا)[آل عمران:7].
17- وبمعنى المصيبة: كقوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ..) [الحج: 11].
18- 19- بمعنى الفاتن الذي يفتن الناس عن دينهم أو بعضه* ويطلق على الشيطان كما في حديث {أفتّان أنت يا معاذ} وحديث {المسلم أخو المسلم يتعاونان على الفتان} بفتح الفاء وضمها.
20-الفتنة في القبر حين وقعها كحديث {فيَّ تفتنون وعني تسألون}.
21-تطلق على الفتن حين وقوعها كقوله تعالى: ( أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ) [التوبة: 49]. وحديث: {إني أرى الفتن تتقاطر على بيوتكم* أو قال منازلكم* كتقاطر المطر} ومنه يقال فتنة كذا وكذا فتنة الحياة والممات وفتنة المسيح الدجال* وكما يقال فتنة ابن الزبير وفتنة الحجاج وفتنة الخوارج.
وجميع معاني الفتنة يرجع إلى معنى الابتلاء والامتحان* وقد جاء في الحديث في صحيح مسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون* فمن عرف بريء ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال: لا. ما صلوا}.
وهكذا رواه الإمام أحمد في مسنده بلفظ { لكن من رغب وتابع* قالوا أفلا نقاتلهم قال: لا ما صلوا بكم الخمس} في هذا الحديث* الناس أمام المنكرات لا سيما في آخر الزمان ثلاثة أصناف: صنف عرف المنكر فلم يقع فيه فبريء من الإثم بمخالفة الناس* وصنف عرفه فأنكره فسلم من الإثم والتبعة* وصنف رضي المنكر وأحبه في قلبه أو تابع أهله على فعله* وقُدم من عرف وبريء لأن هذه الصفة أكثر وجوداً في آخر الزمان من غيرها.
ولفظ (من عرف بريء أي سكت وأنكر المنكر بقلبه فقد سلم من إثمه وعاقبته فتبين مما سبق أن (السكوت والسلامة) لا يدخلان في معنى الفتنة في دلاله الشرع بحال وكيف يكون ذلك السكوت مأذوناً فيه يثاب فاعله إذا خشي على نفسه من إنكاره بالفعل أو القول .. وقد ألف عدد من أهل العلم مؤلفات خاصة بالصمت والسكوت ولزوم البيوت خاصة في زمن الفتن* فكيف يكون السكوت في هذه الحال فتنة؟ ورد أن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: (العافية عشرة أجزاء تسعة منها في السكوت)